تعاني مصر من أزمات متصاعدة ومتطورة تحتاج إلى قرارات جريئة وسريعة بل وحاسمة من القيادة العليا للدولة، وليس عيبا أن نعترف بخطأ بعض القرارات في البدء ببعض المشاريع في وقت سابق ، وإنما العيب الكبير هو أن نستمر في تنفيذ قرارات لمشاريع أو غيرها مع أن الوقت والتجربة والواقع أثبت فداحة خطأها ، والفداحة الكبرى في استمرار تطبيقها والعناد في تنفيذها.
الأتوبيس الترددي نموذجا حيا وواضحا على هذه القرارات التى تورطت وزارة النقل في البدء في تنفيذها وتتكلف حوالي 10 مليار او 12 مليار جنيه قد تزيد في غضون سنوات قليلة جدا جدا الى أكثر من 20 مليار جنيه، عند بدء تشغيله خلال سنتين.
أيضا مشروعات الطرق الخارجية التى لم تؤت ثمارها المرجوة مع اهمال الطرق الداخلية، وكذلك المونوريل والقطار السريع وأشباههما، ولن أقول العاصمة الإدارية الجديدة التى أصبحت واقعا أليما مص من دم المصريين المئات من المليارات دون الحاجة اليها نهائيا، واستمرار فرض الضرائب على كل شيء حتى الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه ، ناهيك عن الكهرباء والغاز الذي تعوم مصر على حقوله وتحاط بحزام كثيف منه من البحرين الأبيض والأحمر ومن الصحراء الغربية.
ثم أحدث الاختراعات الحكومية بفرض ضرائب على الهواتف المحمولة “لأن تجار الهواتف اشتكوا لرئيس الوزراء من تهريب بعض العائدين إلى أرض الوطن بعد غربة مميتة وقد أحضر لاولاده هاتفا حديثا” ، وهذا تصريح رسمي للدكتورمصطفى مدبولي رئيس الوزراء .
وهذا امر مثير للضحك ولكنه يذكرني بحكمة قيادة أعتى الدول الرأسمالية المتوحشة في المنطقة وهي دولة الامارات العربية المتحدة عندما غالى رجال الأعمال أصحاب ومُلاك العمارات في الايجارات وأصبحت فوق مستوى دخول العاملين بدبي في الثمانينات من القرن الماضي، فاجتمع بهم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس الامارت حاكم دبي وقتها، وطالبهم بخفض الايجارات، إلا أنهم رفضوا بحجج السوق الحر والعرض والطلب، عندها اتخذ القرار العبقري بإنشاء سلسلة مشاريع سكنية لا تقل فى المستوى عن مباني رجال الأعمال، وبإيجارات رمزية جدا، وعندها ذهب نفس رجال الأعمال الى الشيخ راشد يشكون له كساد عقاراتهم ومبانيهم فكانت إجابته نفس اجابتهم عليه إنه السوق الحر والعرض والطلب ياسادة ، فانصرفوا من عنده منكسي الرؤوس.
فالشيخ راشد رحمه الله رحمة واسعة – وهو والد الشيخ محمد الحاكم الحالى-قام بدور رجل الدولة كما ينبغي له أن يكون، وأعاد التوازن الى السوق ونجح في حماية المجتمع واقتصاد بلده من الانهيار وبرامج التنمية لديه من التعطل، علما بأن أكثر إن لم يكن كل مستأجري هذه الشقق من غير الاماراتيين بل من الوافدين العرب والأجانب الذين يعيشون ويعملون في دبي والامارات ، ولكنه عرف معنى الحماية الاجتماعية الواجب على الدولة القيام بها وتوفيرها.
فنجح في الحفاظ على سلامة وأمن مجتمعه وتنفيذ خطط التنمية لديه فبنى وطنا تحلم به الكثير من الدول بل ويحلم الكثير من رجال دولتنا العظيمة ورجال أعمالها العيش فيها بل وبعضهم فعل ذلك.
وأصبح هذا البلد الصغير الواقع كشريط على ضفاف الخليج العربي كشبه جزيرة، والمتصالح والمندمج ضمن 7 إمارات تضم كل الاطياف تعيش في سلام وأمن يغبطه عليه كل دول العالم .. هذا البلد الصغير جدا أصبح يتحكم في مصائر دول عتيقة ويغير حكوماتها وسياساتها بل والرؤساء وأنظمة الحكم.
ليس هذا فحسب بل إنه لم يدخل مشروعا وما أكثرها إلا وكانت له دراسات جدوى محلية وعالمية تقيس كل شيء فيه وعلى رأسها الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، وعندما يتأكد من أي دراسة ينفذها فورا ولا يعاند وما حدث في أحد أكبر المشاريع السياحية المعمارية -جزيرة ديرة- اخت جزيرة النخلة الحالية عندما قالت الدراسات أنها غير ذات جدوى فألغى المشروع فورا وعوض كل من تضرر وأكثر وكان تراجعه عن المشروع محل تقدير واحترام خصوصا أن التراجع كان مشفوعا باعتذار.
هكذا تكون القيادة .. وهكذا يكون الحكم الرشيد …
لك الله يا شعب مصر .. أليس منكم رجل رشيد!!!
صدق الله العظيم
redahelal@gmail.com